معنى الثورة : التغيير السريع والجذري للنظام الاجتماعي ونظام الحكم .
الثورة الإسلامية:
الثورة الإسلامية تهدف إلى تطبيقالشرائع الإلهية الربانيةوما تتضمن من أحكام وقواعد ونظمفي جميع طبقات المجتمع وشعبها ،ومن الكلمات المترادفة للثورة الإسلامية إقامة الدين وإقامة الخلافة الإسلامية وإظهار الدين الحق ،وحتى تحقق الثورة الإسلامية اهدافها لا بد من استيفاء شرطين أساسيين هما:
أ) تجهيز وظهور فريق من الشخصيات الإسلامية المؤهلة
ب) قوة الأساس الإسلامي للمجتمع
من سمات وصفات الشخصية الإسلامية المؤهلة أن يكون طائعا لله سبحانه وتعالى،منصاعة لهديه،متحليا بالأخلاق الفاضلة والروح الإسلامية النبيلة، ومثل هؤلاء الشخصيات الإسلامية الذين يتحلون بهذه الصفات الحميدة المذكورة أعلاه لا بد من توافرهم بعدد كبير لإحداث تغيير حقيقي في المجتمع .
إن قوة الأساس الإسلامي للمجتمع يقاس بمدى تمسك اغلبية مكوناتالمجتمع بالقيم الإسلامية السمحة والعادات والتقاليد الإسلامية وتوافر رجال طائعين لله سبحانه ،وما لم يكن أساس المجتمع قويا من الناحية الإسلامية فإن ذلك المجتمع لن تشهد ثورة اسلامية حقيقية ،وهو ما أشار إليه الرب جل وعلا،إذ يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَابِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴿١١﴾
فالله لا يغير حالة الناس طالما أنهم لا يريدون تغيير حالتهم بأنفسهم
إن الأنبياء والرسل عملوا بتفان وإخلاص لبناء الشخصية الإسلامية في الفرد جنبا إلى جنب مع تأسيس أساسإسلامي قوي في المجتمع. فهم قاموابنقل الرسالة الأساسية للإسلام لعامة الناس، وفي الوقت نفسه، نقلوا رسالة الإسلام السمحة إلى القادة المؤثرين في المجتمع.ذلك أن دخول النخب ورؤساء القبائل والسلاطين الإسلام يسهل من دخول بقية افراد المجتمع للإسلام ،ولهذا، كان الأنبياء يركزون جهودهم الدعوية على هؤلاء الشخصيات ذات التأثير القوي في المجتمع ،فالنبي إبراهيم عليه السلام ذهب إلى نمرود لتبليغ دعوته وإيصال رسالته التي بعثه الله إليه،وذهب موسى عليه السلام لسيد قومه فرعون يدعوه للإسلام،وعلى نفس المنوال، سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ ذهب بدعوتهإلى رؤساء القبائل العربية مثل ايبي جهل وعتبة بن ربيعةووليد بن المغيرة وغيرهم.
لم ينهجالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) نهجاغير عادي لخلق الشخصية الإسلامية في الفرد. فنهجه كان منهجا ربانيا ،كان أسلوبه يتركز على إستلهام المعارف من القرآن الكريم ونشرها بين الناس.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في عدة مواضع :
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿١٦٤﴾
هُوَالَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوامِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٢﴾
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَوَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴿١٥١﴾
وتجدر الإشارة هنا إلى أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أصبحوا دعاةإلى الله بعد قبولهم الإسلام. وساهموا في نشر ما استلهموا من العلوم والمعارف من القرآن الكريم بين الناس لبناء شخصية الانسان المسلم وبناء الصرح الأخلاقيوفق التعاليم الإسلامية، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق )) فكأن مكارمَ الأخلاق بناء شيَّده الأنبياء، وبُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتم هذا البناء
لم يرفع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ابدا السلاح لتحقيق الثورة الإسلامية، وفي تلك الأيام،اعتاد الناس على حمل السلاح للدفاع عن النفس وكان هذا مجازا لهم من الناحية القانونية، إن الأسلحة اليدوية التي كانت متوفرة في ذلك الوقت من سيف ورمح وغيرها كانت بحوزة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مثلما كانت بحوزة المشركين إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحمل هذه الأسلحة قط طيلة فترة مكوثه في مكة المكرمة ،حيث ركز النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه خلال مسيرتهم الدعوية في مكة المكرمة على بناء شخصية الانسان المسلم وبناء أساس إسلامي قوي للمجتمع ، وفي سبيل تحقيق ذلك واجهوا العديد من المتاعب والمصاعب وتعرضوا للتعذيب الوحشي والغير إنساني من قبل المشركين الذين قتلوا العديد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،إذ استشهد العديد من الصحابة أمثال الحارث بن ابي هالة رضي الله عنه وياسر رضي الله عنه وسمية رضي الله عنها وعبد الله بن ياسر رضي الله عنه خلال دعوة الناس للإسلام ،هذا إلى جانب إصابة الكثيرين بجروح ،ورغم كل ما واجهوا من متاعب ومصاعب وتعذيب وحشي منقطع النظير على أيدي المشركين إلا أنهم لم يلجأوا إلى استخدام السلاح بل ولم يقوموا بتلويحها ولو لمرة واحدة للانتقام منهم ،حيث أمرهم الله سبحانه وتعالى بقوله: كفوا أيديكم" اي لا تستخدموا السلاح في وجوههم،وقد انزل الله سبحانه وتعالى الوحي على نبيه واطلعه على أمره في سورة النساء ،حيث قال الله سبحانه وتعالى :
أَلَمْ تَرَ إِلَىالَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌمِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍقَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿٧٧﴾
انزل الله تعالى آيات وسور تشجع المسلمين على الصبر في وقت كان المسلمون يتعرضون لحملات وهجمات واحدة تلو الآخر من أعداء الإسلام،وللعلم فإن للصبر معاني كثيرة منها كبح جماح المشاعر الشخصية والغاضبة،وحبس النفس عن محارم الله،والتحكم في النفس، وعدم الاستعجال، والصبر في الحصول على نتيجة ما ،وعدم الخروج عن نطاق السيطرة عند تعرضه لمعاملة ولأخلاق غير لائقة، وينبغي التوضيح هنا أن ايَّا من الأنبياء والرسل خلال مسيرتهم الدعوية لم يستخدموا السلاح في تحقيق الثورة الإسلامية ، ذلك أن الأنبياء والرسللا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
لم يسمح للمسلمين استخدام الأسلحة حتى بعد أخذ الأذونات:
كان سوق عكاظ أحد الأسواق الثلاثة الكبرى في الجاهلية بالإضافة إلى سوق مجنة وسوق ذي المجاز، وكانت العرب تأتيه لمدة 20 يوما من أول ذي القعدة إلى يوم 20 منه،حيث أن العرب كانت تجتمع فيه فيتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدونثم تسير إلى سوق مجنة فتقضي فيه الأيام العشر الاواخر من شهر ذي القعدة ثم تسير إلى سوق ذي المجاز فتقضي فيه الأيام الثمانية الأولى من شهر ذي الحجة ثم تسير إلى حجها،في ذلك الوقت،كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يخرج لهذه الأسواق ويتنقل بين الخيم التي اقيمت فيها لملاقاة وفود القبائل العربية التي كانت تأتي إلى هذه الأسواق يعرض عليهم دعوته ويعطي دروسا وتعاليم في الإسلام. وكان يقوم بتلاوة القرآن عليهم وكان يدعوهم لتطبيق الإسلام كمنهج حياة،وفي السنة العاشرة من النبوة اسلم ستة من أهالي مدينة يثرب على يديه في مكان يسمى بالعقبة بعد أن دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام،استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوتهم يخاطب وفود القبائل العربية و يلتقيهم حرصا على هدايتهم حتى كانت السنة الحادية عشرة للبعثة عندما التقى ستة أشخاص من الخزرج كانوا في قافلة لهم قادمة من يثرب , فعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن الكريم , فشرح الله صدورهم و استجابوا لدعوة رسول الله ثم عادوا إلى يثرب بعد أن اتفقوا معه على أن يلقوه في العام القادم.
في العام الثالث عشر من الدعوة الإسلامية، أتى من المدينة( يثرب حينئذ) ثلاثة وسبعون رجلاً وإمرأتان من قبيلتي الأوس والخزرج، فجلسوا مع رسول الله واتفقوا معه على تأييده في دعوته. ثم إنهم بايعوه على أن يحموه ومن معه كما يحمون أبناءهم وإخوانهم ولهم الجنة، ودعوا رسول الله لزيارة مدينتهم فقبل دعوتهم لأسباب عديدة منها: أن رسول الله كان يريد بلداً آمناً لينشر رسالة ربه عز وجل،أما أهل يثرب فقد وجدوا في هذة البيعة حلفاً سياسياً يقوي شأنهم ضد اليهودوإجلائهم عن أراضيهم ويخفف العداوة بين أهل يثرب من الأوس والخزرج، بجانب هذا في المدينة بيت أخوال رسول الله وقبر أبيه عبد الله وفي منتصف الطريق يوجد قبر أمه آمنة بنت وهب فهي كذلك صلة رحم ،وفي ليلة العقبة قال العباس بن عبادة بن نضلة الانصاري المهاجري للنبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحق لئن شئت ( لنميلن ) غدا على أهل منى بأسيافنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم..
الحصول على إذن باستخدام الأسلحة بعد إقامة الدولة الإسلامية:
ظل محمدٌ صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يُؤذَن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر الصديق يستأذنه بالخروج إلى المدينة المنورة، ولكن كان يقول له: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا»، فأراد أبو بكر أن يكون النبي صاحبه ولما اشتد البلاء على المسلمين في مكة بعد بيعة العقبة الثانية، أذنَ مُحمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، وأمرهم باللَحاقِ بِإخوانهم من الأنصار،فعن عائشة أنها قالت:
قال رسولُ اللهِ وهو يومئذٍ بمكةَ: «قد أُرِيتُ دار هجرتكم، رأيتُ سَبْخَةً ذاتِ نخلٍ بين لابتين» وهما الحَرَّتَانِ، فهاجرَ من هاجر قِبَلَ المدينةِ حين ذكر ذلك رسولُ اللهِ ، ورجع إلى المدينةِ بعضُ من كان هاجرَ إلى أرضِ الحبشةِ، وتجهَّزَ أبو بكرٍ مهاجرًا ، فقال لهُ رسولُ اللهِ : «على رِسْلِكَ ، فإني أرجو أن يُؤْذَنَ لي» قال أبو بكرٍ: «هل ترجو ذلك بأبي أنت ؟» قال: «نعم» فحبسَ أبو بكرٍ نفسَهُ على رسولِ اللهِ ليَصْحَبَهُ ، وعلفَ راحلتينِ كانتا عندَهُ ورقَ السَّمُرِ أربعةَ أشهرٍ . وقد سميت مدينة يثرب بالمدينة المنورة بسبب هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حيث أصبح لها مكانتها المقدسة وأصبحت ثاني الحرمين الشريفين ، ونشأ فيها أول دولة إسلامية دستورها القرآن الكريم وأصبحت أول عاصمة إسلامية لدولة يحكمها رسول مبعوث من الله تعالى وحكمها من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدين أولهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه والثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه . أُذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالقتال لأول مرة بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ،حيث قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله في سورة الحج : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴿٣٩﴾الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْصَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴿٤٠﴾ |
بينما في الآية 190 من سورة البقرة يقول الله سبحانه وتعالى
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾
الفارق الزمني بين السماح باستخدام الأسلحة والإذن
يلاحظ أن هناك فارقا زمنيا بين السماح باستخدام الأسلحة وبين إعطاء الإذن باستخدامها،ووفقا لتقديراتنا، فإن الله سبحانه وتعالى سمح للرسول باستخدام الأسلحة في السنة الأولى من الهجرة بينما حصل على الإذن في شهر رجب أو شعبان من السنة الثانية من الهجرة
طبيعة وآلية العمل في مرحلة ما قبل وبعد إقامةالدولة الإسلامية:
قال الإمام ابن تيمية، في كتابه السياسة الشرعية إنه فيالمراحلالأولية للإسلام،أمر الله نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) بنشر الدعوة الإسلامية فقط، ولم يسمح لهبخوض الحروب،وعندما اضطر إلنبي للهجرة إلى المدينة، وتعرض هو وأنصاره للهجوم من أعداء الإسلام معلنين الحرب عليه أذن الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم وأصحابه بمحاربة تلك القوى المعادية للإسلام.
[المرجع: السياسة الشرعية، الإمام ابن تيمية، صفحة: 203]
يقول الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثلاثَ سِنِينَ مِن أوَّلِ نُبوته مُستخفياً، ثم أعلنَ في الرَّابِعة، فدعا النَّاسَ إلى الإسلام عَشْرَ سِنِينَ، يُوافى المَوْسِمَ كُلَّ عام، يتَّبعُ الحاجَّ في منازلهم، وفى المواسم بعُكاظ، ومَجَنَّة، وذى المَجَاز، يدعوهم إلى أن يمنَعُوهُ حتى يُبَلِّغَ رِسَالاتِ ربِّه ولهم الجنةُ، فلا يَجِدُ أحداً ينصُره ولا يُجيبه، حتى إنه ليسألُ عن القبائل ومنازِلهَا قبيلةً قبيلةً، ويقول: (يا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لاَ إِلهَ إِلا الله تُفْلِحُوا، وَتمْلِكُوا بِهَا العَرَبَ، وتَذِلَّ لَكُم بِهَا العَجَمُ، فَإذَا آمَنْتُم، كُنْتُم مُلُوكاً في الجَنَّةِ)، وأبو لَهَبٍ وراءَه يقولُ: لا تُطِيعُوهُ فإنَّهُ صَابِىء كَذَّاب، فيردُّونَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبحَ الرَّدِّ، ويُؤذونه، ويقولون: أُسرتُك وعشيرتُكَ أعلمُ بِكَ حيثُ لم يَتَّبِعُوك، وهُوَ يدعُوهم إلى الله، ويقول: (اللَّهُمَّ لَوْ شِئْتَ لَمْ يَكُونُوا هكَذَا) قال: وكان ممن يسمَّى لنا مِن القبائِلِ الَّذِينَ أتاهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم، وعَرَضَ نفسَه عليهم: بنو عامر بن صَعْصَعَةَ، ومحارب بن حَصَفة، وفَزَارَة، وغسَّان، ومُرَّة، وحنيفة، وسُلَيم، وعَبْس، وبنو النَّضر، وبنو البكاء، وكِندة، وكلب، والحارث بن كعب، وعُذرة، والحضَارِمة، فلم يستجب منهم أحد.
ج) ويقول سيد أبو علاء المودودي "أمر المسلمون بنشر الدعوة الإسلامية بين المسلمين طوال المدة التي كانوا منقسمين وضعفاء ومشتتين ،وطلب منهم الصبر على القمع والتعذيب الذي كانوا يواجهونه و عندما أصبح للمسلمين دولة مستقلة في المدينة المنورة، أمرهمبالوقوف في وجه كل من يقف في طريق دعوتهم للاسلام وأذن لهم بالقتال
[المرجع: تفهيم القرآن، سيد أبو علاء المودودي، تفسير سورة البقرة، الهامش رقم 200)
وينبغي أن نضاف هنا أنه بعد عام واحد من تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، قام المشركونباعلان الحرب على المسلمين في دولتهم الحديثة . ولكن بفضل من الله سبحانه وتعالى، كان النصر حليف المسلمين في جميع الحروب التي خاضوها ضد المشركين الذين كان اعدادهم يفوق المسلمين بثلاثة أضعاف
كان الله سبحانه وتعالى يعلم جيدا أن المشركين لن يتقبلوا هذه الهزائم التي تلحقهمبهم المسلمين وأنهم سوف يعدون عدتهم وعتادهم لشن هجمات جديدة عليهمولن يوقفوا العداء ضد الإسلام. وعلى ضوء هذه الخلفية، أنزل الله تعالى آية في سورة الأنفال حث فيه المسلمين على التجهيز للقتال وإكساب القدرات الدفاعية اللازمة للدفاع عن النفس في مواجهة العدو .
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَاتَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿٦٠﴾
التوسع الطبيعي للحركة الإسلامية:
نهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام نهجا ربانيا في سعيهم لإقامة الإسلام في المجتمع، حيث عملوا على إحداث تغييرات في النمط التفكيري للأفراد. وقد جاهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كثيرا في الدعوة إلى الله،سانده في ذلك مجموعة من شباب مكة المكرمة الشجعان الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن تربية فنذروا حياتهم من أجل الدين ،وبما أن معظم وجهاء مكة المكرمة كانوا من المعارضين فلم يتجرأ أحد من سكان مكة قبول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم واعتناق الاسلام، ولهذا لم تقم الدولة الإسلامية في مكة المكرمة ،أما في مدينة يثرب فكان الوضع مختلفا، إذ استجاب معظم رؤساء ووجهاء القبائل العربية القاطنين في يثرب لدعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعاهدوا النبي على أن يكونوا معه في السراء والضراء ما سهل على سكان المدينة قبول الدعوة واعتناق الاسلام افواجا فكانت هذه الاستجابة هي النواة لإقامة مجتمع إسلامي ودولة إسلامية في المدينة
تجاوز النبي محمد صلى الله عليه وسلم المراحل واحدة تلو الأخرى في سعيه من أجل إقامة دولة إسلامية وحكومة إسلامية في المدينة المنورة بطريقة طبيعية،وقد صور الله سبحانه وتعالى صورة جميلة لهذه المراحل في الآية 29 في سورة الفتح ،إذ قال :
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِوَرِضْوَانًاسِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْأَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَشَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾
الاستنتاج:
نحن ننتمي إلى الإسلام، وهذا الانتماء هو الذي شرفنا الله - تبارك وتعالى- به وسمانا به . ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - هو إمام الدعاة، وهو القدوة والأسوة والداعية المعلم الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه، وأن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وخلقنا ومعاملاتنا وجميع أمور حياتنا، قال تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [يوسف:108]، وقال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" [الأحزاب:21)