بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وعيون دامعة، وألسنة تلهج بالدعاء، ننعى إلى الأمة الإسلامية جمعاء خطيب العصر، ومفسر القرآن، والمفكر الإسلامي العالمي، ونائب أمير الجماعة الإسلامية في بنغلاديش سابقا، الشيخ الجليل دلوار حسين سعيدي – رحمه الله – الذي ارتقى إلى جوار ربه في ليلة الرابع عشر من أغسطس 2023، بسجن المستشفى التابع لمعهد الطب بي جي بالعاصمة دكا، إثر إهمال طبي جسيم (إنا لله وإنا إليه راجعون)
لقد نقل الشيخ – وهو في حالة حرجة – من سجن قاسم بور إلى دكا مساء ذلك اليوم، وأدخل المستشفى، غير أن الأطباء المناوبين وإدارة المستشفى قصروا في القيام بواجبهم، فحال الإهمال بينه وبين العلاج الذي كان في أمس الحاجة إليه. وقد شهدت الأوساط تداول أخبار كثيرة عن هذا التقصير المؤلم، فيما منع أبناؤه وزوجه من لقائه في لحظاته الأخيرة، حتى أسلم الروح إلى بارئها بعيدا عن أحبته
وبعد وفاته، حرمت العاصمة دكا من أداء صلاة الجنازة عليه، على الرغم من احتشاد مئات الآلاف من أبناء الأمة الموحدة مطالبين بذلك، فقوبلوا بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص الحي، ما أسفر عن إصابة المئات. وأخيرا، حمل جثمانه الطاهر إلى مسقط رأسه في بيـروزبور، حيث أديت عليه صلاة الجنازة ودفن هناك، وسط جموع غفيرة من المشيعين الذين ودعوه بالدعاء والدموع
لقد رحل الشيخ سعيدي عن هذه الدنيا، لكنه ترك إرثا علميا ودعويا خالدا، فقد أمضى أكثر من نصف قرن يجوب البلاد والعالم مفسرا لكتاب الله، ومبلغا رسالته، ولا تزال خطبه ودروسه ومقاطع الفيديو التي سجلت له تلهب القلوب وتنهض بالهمم نحو هدي الإسلام. وكان له إسهام مشهود تحت قبة البرلمان، رئيسا وعضوا في لجانه، كما ألف كتبا في التفسير والسيرة والفكر الإسلامي ستظل مشاعل هدى للأجيال المتعاقبة
وستواصل مؤسساته التعليمية التي أنشأها تخريج الدعاة والمفسرين، ليكملوا ما بدأه من عمل عظيم في خدمة الإسلام والدعوة – بإذن الله تعالى
نذكره بقلوب تغمرها المحبة والإجلال والوفاء، ونستحضر سيرته العطرة الموشاة بالعلم والدعوة والتضحية. كان صوتا صادحا بالحق، جسورا في نصرة العدل، قضى عمره في خدمة دين الله ورسالة الإنسانية. رحل إلى رحمة ربه، غير أن نهجه ما زال مشعلا وضاء نهتدي به في بناء دولة إسلامية راشدة، قائمة على العدل والإنصاف وصون الكرامة. نسأل المولى أن يرفع درجته في عليين، ويتقبله في جنات الفردوس، ويمنحنا التوفيق لحمل رسالته، والعزم على مواصلة طريق كفاحه
لقد كان أمله أن يختم حياته بالشهادة، ونسأل الله أن يكرمه بها قبولا ومرتبة، وأدعو قادة وكوادر الجماعة الإسلامية وشبابها، ومعهم جماهير أمتنا، إلى المضي لتحقيق حلمه الكبير: إقامة دولة إسلامية راشدة تظللها القيم الرفيعة، ويعمها الخير والعدل