بيان صحفي صادر عن الجماعة الإسلامية في بنغلاديش
حول إعلان يوليو وخطاب كبير المستشارين إلى الأمة
بتاريخ الأربعاء ٦ أغسطس، الساعة ١٢:٣٠ ظهرا، قاعة الفلاح، موغبازار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أيها الإخوة الصحفيون الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أحييكم بتحية الإسلام، وأرحب بكم أجمل ترحيب في هذا المؤتمر الصحفي المبارك
كما تعلمون، فإن قبضة الاستبداد التي خنقت أنفاس الأمة طوال ستة عشر عاما قد انكسرت بفضل الله ثم بصمود جماهيري قل نظيره، حيث اندلعت في شهري يوليو وأغسطس من عام ٢٠٢٤ انتفاضة شعبية عارمة، قادها طلاب الجامعات والمدارس والمعلمون والعلماء والعمال والباعة البسطاء وسائر أبناء الشعب الأبي، فأطاحت بالنظام الفاشي الغاشم
لقد شهدنا في صفحات التاريخ سقوط طغاة ومستبدين، لكن المشهد البنغلاديشي في ٢٠٢٤ كان استثنائيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إذ لم يكن مجرد تغيير سياسي، بل كان ثورة على الظلم، وانتفاضا من أجل الكرامة، وصرخة شعب قرر أن لا يعود إلى عهود القهر والجور. وهذا النصر، بكل فخر واعتزاز، يهدى إلى هذا الشعب العظيم
لقد توحد الكل خلف مطلب واحد: ألا يعود الاستبداد، وألا يطل الفساد برأسه من جديد، بل يقام نظام عادل، تسوده المساواة، ويخلو من التمييز والظلم والفساد. عبر الشعب عن توقه إلى نظام ديمقراطي حقيقي، تصان فيه الحريات، ويكفل فيه حق التعبير، ويحترم فيه صوت الناخب، ويعاد فيه الاعتبار لكرامة الإنسان
وانطلاقا من هذه الإرادة الشعبية الحرة، جاءت الحكومة الانتقالية الحالية تحمل أمانة تحقيق تلك الآمال، وتجسيد تطلعات الأمة. وقد جاءت وثيقة إعلان يوليو والميثاق الوطني لشهر يوليو كتعبير صادق عن تلك التضحيات، وكإطار جامع للمرحلة القادمة، وهي محل إجماع شعبي واسع
وقد بادرت لجنة التوافق الوطني إلى إجراء حوارات معمقة مع مختلف القوى والأحزاب السياسية، في سبيل ترسيخ هذا الإعلان، وتوطيد أركان الميثاق، تأسيسا لمرحلة جديدة من الحرية والكرامة والعدالة
الأصدقاء الصحفيون الأكارم،
في مشهد خال من المراسم الرسمية، تلا كبير مستشاري الحكومة الانتقالية، يوم أمس الخامس من أغسطس، من على منصة الساحة الجنوبية للبرلمان الوطني، إعلان يوليو المؤلف من ٢٨ بندا. غير أن هذا البيان، على أهميته الرمزية، جاء قاصرا عن التعبير عن وجدان الأمة وتطلعات الجماهير، مفتقرا إلى الشمول، ومجافيا لنبض الشارع الذي صنع هذا التحول
لقد أشار البيان إلى نضال طويل، لكنه غيب عن عمد أو إغفال استقلال عام ١٩٤٧، وتغافل عن مجازر دامية ما زالت ندوبها ماثلة في الذاكرة الوطنية: مذبحة بيلخانا، مجزرة شابلا، ودماء الأبرياء في أحداث ٢٨ أكتوبر. كما تجاهل الدور الريادي للعلماء والفقهاء، ومدرسي وطلبة المعاهد الدينية، والمغتربين، والنشطاء الرقميين، الذين شكلوا روح انتفاضة يوليو ووقودها الحقيقي. إن مثل هذا التغافل لا يعد سوى إساءة للتاريخ، وتنكر لبطولات خالدة سطرها الشعب بدمه وتضحياته
أيها الإعلاميون الأعزاء،
لقد كانت انتفاضة يوليو نداء عارما لإصلاح الدولة من جذورها. وفي سبيل ذلك، شكلت ست لجان وطنية، وعقدت جلستان تفاوضيتان امتدتا لأكثر من شهرين بالتعاون مع لجنة التوافق الوطني، وأثمرت التفاهمات حول ١٩ بندا رئيسيا، تم على أساسها التمهيد لصياغة الميثاق الوطني ليوليو
ومع ذلك، فقد جاء إعلان كبير المستشارين خاليا من أي ذكر لهذه الجهود العظيمة، مغفلا تفاصيل التنفيذ أو جدوله الزمني، مما فرغ الإعلان من مضمونه، وجرده من أثره المنتظر
إن إحالة تنفيذ مضامين البيان إلى الحكومة المقبلة، بدلا من البدء الفوري بخطوات الإصلاح، تمثل استخفافا بتضحيات الآلاف من الشهداء، وخيانة لروح يوليو التي نادت بالكرامة والعدالة والإصلاح الجذري. لقد أهدرت الدماء، وتلاشت الآمال، حين أرجئ الحسم، وتركت مطالب الشعب معلقة بين الرجاء والإهمال
منذ فجر الانتفاضة الشعبية، والجماعة الإسلامية في بنغلاديش تسير بخطى ثابتة في نضالها الوطني، مطالبة بعودة النظام الديمقراطي إلى رحاب البلاد، وبناء مجتمع قوامه العدل، خال من الفساد والظلم، مرتكز على الإصلاح الشامل، ومؤسس على محاكمة عادلة لمرتكبي المجازر، وانتخابات نزيهة تعبر بحق عن إرادة الأمة. وقد عبرت الجماعة، على هذا الأساس، عن تأييدها المشروط للجدول الزمني الانتخابي الذي أعلنه كبير المستشارين، والممتد من ديسمبر إلى يونيو
لقد كانت آمالنا معلقة على أن يبادر كبير المستشارين إلى فتح حوار وطني شامل مع القوى السياسية الفاعلة، التزاما بالأعراف الديمقراطية الراسخة، غير أن تغيبه عن هذا المسار المنتظر قد ألقى في نفوس أبناء الوطن مشاعر الدهشة والاستغراب. فإعلان موعد الانتخابات في اليوم ذاته الذي أُعلنت فيه خارطة يوليو، دون الرجوع إلى ممثلي الأمة، مثل تجاوزا لتقليد سياسي أصيل لطالما اعتبر من ركائز العملية الديمقراطية في بلادنا
ورغم هذا التجاوز، فإننا، انطلاقا من مصلحة الوطن العليا، ننظر إلى إعلان كبير المستشارين نظرة إيجابية، نأمل من خلالها أن يكون هذا الإعلان بادرة خير، تهيئ المناخ المناسب لعودة المسار الديمقراطي، وتفسح الطريق أمام انتخابات شفافة تفضي إلى عهد من الحرية، والعدالة، والكرامة الوطنية
الإخوة الصحفيون الكرام،
إن الجماعة الإسلامية في بنغلاديش هي جماعة سياسية ذات توجه انتخابي، شاركت في كل الانتخابات النزيهة التي جرت في الماضي، وكان لها حضور مشرف وتمثيل معتبر في البرلمان الوطني. وفي الوقت الراهن، تتواصل الاستعدادات الانتخابية للجماعة على امتداد ربوع البلاد
غير أن ما يفترض أن يكون من بيئة مواتية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ومحايدة لم تتوفر بعد، ولم توفر الحكومة هذه الشروط اللازمة. وعليه، فإن الالتزام بالجدول الزمني المعلن من قبل كبير المستشارين لإجراء انتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية والقبول الوطني، يستلزم تنظيم الانتخابات على أساس "الميثاق الوطني لشهر يوليو
وفي هذا السياق، فإن على الحكومة الانتقالية الراهنة أن توفر الغطاء القانوني اللازم للجنة التوافق الوطني التي تعكف على صياغة هذا الميثاق الوطني المرتقب، ليشكل مرجعية دستورية للعملية الانتخابية المقبلة
وقد سبق أن شهدت البلاد انتفاضات شعبية وحركات تغيير، تم إضفاء الصبغة القانونية عليها لاحقا. فعلى سبيل المثال، بعد انتفاضة عام 1969، أجريت انتخابات عام 1970 بالاستناد إلى الإطار القانوني، ومن ثم أقر دستور عام 1972 من قبل الجمعية التأسيسية التي شكلت من النواب المنتخبين في تلك الانتخابات التاريخية
إننا نؤمن بأن العودة إلى الإرادة الشعبية وتكريس الشرعية عبر صناديق الاقتراع، لا بد أن ينطلق من أرضية قانونية متينة، وإجماع وطني شامل، يضمن مستقبلا سياسيا مستقرا للبلاد. من خلال إعلان الاستقلال، قادت حكومة مجيبنغر الموقتة حرب التحرير طيلة عشرة أشهر، إلى أن تم تشكيل أول حكومة بعد نيل الاستقلال. وفي أعقاب التغيرات السياسية التي شهدها العام 1975، تولى الرئيس ضياء الرحمن مهام الإدارة بوصفه أول رئيس للأحكام العرفية، ثم أسّس حزبا سياسيا، وانتقل من موقع الحاكم العسكري إلى سدة رئاسة الجمهورية، وأدار شؤون الدولة في الفترة من 1975 إلى 1979 عبر استفتاءات شعبية وإصدار مراسيم تشريعية، وهو المسار الذي منح حكمه غطاء من الشرعية، وأُقر لاحقا من قِبل البرلمان
ثم جاءت انتفاضة الشعب في عام 1990، التي أفضت إلى انتخابات حرة ونزيهة أجريت تحت إشراف حكومة القاضي محمد شهاب الدين المؤقتة، استنادا إلى خارطة الطريق التي وضعتها القوى الثلاث الكبرى آنذاك. ومع ذلك، فإن باقي بنود تلك الخارطة لم تر النور لافتقارها إلى الأساس القانوني اللازم
فإذا كانت كل هذه السوابق قائمة في تاريخنا السياسي والدستوري، فما الذي يحول اليوم دون إضفاء الشرعية القانونية على إعلان يوليو الوطني؟
