بما أن التعليم يتمحور حول الإنسان فإنه لا بد من إعطاء نبذة مختصرة عن التكوين الشخصي للإنسان قبل إعطاء فكرة مختصرة عن التعليم ،فالانسان يتكون من عنصرين أساسيين وهما الجسد والروح ،ولهذا يطلق على الانسان الكائن الحي العاقل ،فهو كائن مختلف تماما عن سائر الكائنات، وحتى يستطيع هذا الكائن الحي العاقل أن يتكيف ويعيش ويتواءم مع طبيعته وينظم سيره عليه أن يكون واعيا عن بعض حقوقه الأساسية، ومن أهم هذه الحقوق الأساسية وابرزها حقه في التعليم،وهذه الحقيقة قد اثبتت صحتها على مر العصور والتاريخ البشري،لهذا كانت الكلمة الأولى التي انزلها الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كانت كلمة"إقرأ".
وعلى الرغم من أن المشاكل والأزمات العديدة التي كانت تعصف بالعالم عامة وشبه الجزيرة العربية على وجه الخصوص في ذلك الوقت إلا أن الله سبحانه وتعالى اختار أن يكون كلمة إقرأ هي الكلمة البداية لنزول الوحي ولنزول القرآن ومولد النبوة ومنطلقا لأكبر تحول في تاريخ الإنسانية من كفرها وشركها وضلالها إلى نور الإيمان والتوحيد والهدى.
إن السلوك الغير إنساني والحيواني والغير قانوني واللاأخلاقي للإنسان ناتج عن نقص المعرفة وعدم وجود مسلك صحيح قويم للتعلم ،ولهذا،فإن التعليم يعد المحرك الأساسي والرئيسي والعامل المحفز لأخلاقيات الإنسان وسلوكه،إن الأمة المتحضرة والمثقفة والمتعلمة التي نشأت في شبه الجزيرة العربية في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في بيئة كان الجهل والأمية يعشعشان فيها لم تكن تنشأ لولم تكن التعليم أساسها، وها هي لا زالت إلى يومنا هذا نموذجا مشرقا ومشرفا للأمة الإسلامية المتعلمة المتحضرة ، لذلك، لا بديل عن التعليم في بناء جيل متعلم واع مؤمن بربه منتم لوطنه قادر على خدمة نفسه ومجتمعه ووطنه .
وبما أن التعليم الإسلامي هو الأساس في بناء جيل مسلم وهو المحفز الرئيسي والعامل الأبرز في بناء دولة إسلامية حديثة فإن على كل مسلم أن يعرف المفهوم الإسلامي للتعليم والأهداف من التعليم وما هي مخرجاتها وسبل ترجمتها وتطبيقها على ارض الواقع .
المفهوم الإسلامي للتعليم وأهميتها:
المعرفة تعني الخبرات والمهارات المكتسبة من قبل شخص ما من خلال التجربة أو التعليم ؛ الفهم النظري أو العملي لموضوع،وهي تتفاوت وتختلف من رجل إلى رجل،وللعلم مصدر مستقل بذاته وهذا المصدر المستقل للعلم تختلف باختلاف الأديان والأمم والشعوب،فالديانات الأخرى غير الإسلام تعتبر المنطق والتجارب التطبيقية والتجريبية مصدرا للمعلم والمعرفة،وبعبارة أخرى،نستطيع أن نقول بأن كل الخبرات المكتسبة معا هي المصدر الرئيسي للمعرفة لديهم، ولكن الإسلام،اعتبر القرآن الكريم والسنة النبوية المصدر الأول والأساسي والرئيسي للعلم،والخبرات المكتسبة من التجارب التطبيقية مصدر ثانوي للعلم، وعلى هذا، فإن مصدر العلم في الإسلام جمع بين الوحي والخبرات المكتسبة ليكون مزيجا
فيما يتعلق بالمصدر وأهمية السعي لطلب العلم،أمر الله سبحانه وتعالى نبيه في أول سورة تنزل عليه بـ"اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم (العلق، 96: 1-5).
فالله هو الَّذي خلق، وهو الَّذي علَّم، فمنه البدء والنشأة، ومنه التعليم والمعرفة،وهو الذي خلق الإنسان وعلمه ما لم يعلم،وهو المصدر الأول والرئيسي والأساسي للعلم،وهو الذي سخر القلم –أداة العلم -ليعلم الإنسان الذي بدوره سيحافظ على العلم،وقد بعث جميع الأنبياء والرسل كمعلمين يعلمون الناس الحكمة،وعن أهيمة تحصيل العلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
أهداف وغايات التعليم :
هناك عدة غايات واهداف يسعى إليه المتعلم في تعليمه،وكل هذه الأهداف والغايات هي من أجل تلبية الاحتياجات والمتطلبات الأساسية وما يعود على المتعلم من نفع اجتماعي ومادي،والمفهوم العام للتعليم هي عملية يتم من خلالها بناء الفرد ومحو الأمية في المجتمع، وهو المحرك الأساسي في تطور الحضارات ومحور قياس تطور ونماء المجتمعات فتقيم تلك المجتمعات على حسب نسبة المتعلمين به،والمفهوم الآخر للتعليم "هي منظومة تعليمية تنتج افرادا متعلمين يتحلون بصفات حميدة ويتخلقون بأخلاق عالية مثل صفاء القلب والإطاعة والانقياد لله سبحانه وتعالى،وهذا ما يتماشى مع تعليمات وإرشادات القرآن والسنة.إن الهدف الرئيسي للتعليم في الإسلام هو انتاج رجال في المجتمع يخافون الله ورسوله في كل صغيرة وكبيرة، وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول إن الهدف من التعليم في الإسلام هو انتاج رجال في المجتمع يعبدون الله ويخافونه في جميع مجالات الحياة وفي جميع جوانب حياتهم،كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"،وقال في آية أخرى "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتـى الله بقلب سليم ،وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
مخرجات التعليم:
إن النهاية أو النتيجة المتوقعة للتعليم تختلف أيضا من رجل لرجل، ومن دين إلى دين ومن إيديولوجية إلى أيديولوجية ومن مكان إلى آخر. فالنظام التعليمي القائم على العلمانية والاشتراكية والشيوعية والرأسمالية والتعليم القائم على الوضعية لا ينتجون إلا نمطا خاص بهم من المتعلمين العلمانيين والاشتراكيين، والشيوعيين،والرأسماليين والوضعيين، ولهذا،فإن اخلاصهم في النظام التعليمي محصور فقط في إنتاج رجال يحمون مصالحهم فقط واستبعاد الآخرين،لكن المفهوم الإسلامي للتعليم أعم وأشمل، لأن الإسلام هو دين عالمي ومنهج حياة متكامل للبشرية بأسرها.
إن الاسلام لا يهتم بانتاج مواطن صالح فقط وإنما يهتم ايضا بأن يكون هذا المواطن الصالح مسلم صالح أيضا، فالتعليم هو الطريق الذي ينور طريقه في معرفة وطاعة ربه وخالقه ،إن الإسلام لن يجبر أحد من غير المسلمين على اعتناق الإسلام بالقوة،فلا يوجد مكان للسياسة التعسفية الحزبية في الإسلام.
إن الجماعة الإسلامية تحاول إيجاد منظومة تعليمية يستطيع من خلالها المتعلم أن يتشرب العلوم الإسلامية من المنهل الصافي للعلم الإسلامي،جنبا إلى جنب مع العلوم العصرية الحديثة ،ولهذا،فهي تريد من المتعلم أن يكون على علم ودراية كاملة عن الجوانب الإسلامية التي ستعينه في الحياة في الدنيا والآخرة مثل:
يجب على كل مسلم أن يكون على دراية بالتوحيد واليقين بوحدانية الله سبحانه وتعالى .
•يجب على كل مسلم أن يعرف عن الأنبياء والرسل جميعهم وبالأخص آخر الأنبياء والرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
يجب على كل مسلم أن يتعرف على جميع الكتب السماوية المنزلة وخاصة القرآن الكريم.
• الإيمان بالقضاء والقدر واليوم الآخرووجود حياة بعد الممات.
• الإلمام بجميع الجوانب النظرية والعملية للإسلام وأن يسعى إلى الاتزام بالتعاليم الإسلامية في جميع جوانب حياته .
• أن يكون المسلم المتعلم مهذب ومثقف ومتحضر من خلال الوقوف في وجه جميع أنواع الغزو الثقافي والفكري وكذلك الوقوف في وجه الإمبريالية .
• أن يكون متسلحا بسلاح العلم والمعرفة وأن يكتسب الخبرات والمهارات اللازمة لمواجهة تطورات الحياة • أن يكون قادرا على معرفة ما توصلت إليه العلم الحدبث من آخر التطورات في شتى المجالات .
• أن يكون ملما بجميع جوانب المعرفة وأن ينظر إليها من وجهات نظر إسلامية في جميع مجالات العلوم مثل العلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، والتجارة، والفنون والتكنولوجيا والطب .
• أن يكون قادرا على الإجابة على أي من الأسئلة التي قد تطرح عن القضايا الحديثة أو القديمة في ضوء الإسلام